الجمعة، 25 يونيو 2010

40 - اسم الله ( الخبير )


بسم الله الرحمن الرحيم


اللهم يا خبير يا بصير سبحانك وبحمدك توكلت عليك في مسألتي وأنت عليم بذنبي، فاغفر لي وعافني وارزقني واقض حاجتي ويسر أمري، ويسمي ما يشاء من حوائجه .


من دعاء النبى صلى الله عليه وسلم .


الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

*************************

اسم الله الخبير ورد في الكتاب والسنة على سبيل الإطلاق والإضافة , ففي القرآن ورد مطلقا معرفا مقترنا بثلاثة أسماء هي الحكيم في قوله تعالى: } وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ { [الأنعام:18]، واللطيف كما في قوله: } لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ { [الأنعام:103]، ومقترنا باسم الله العليم في قوله تعالى: [ } فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ العَلِيمُ الخَبِيرُ {التحريم:3]، وورد الاسم مطلقا منونا في نصوص كثيرة منها قوله تعالى: } وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً { [الأحزاب:34]، وقد ورد الاسم في السنة عند مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: ( لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللطِيفُ الْخَبِيرُ ) .


· شرح الاسم وتفسير معناه :

*********************


الخبير في اللغة من مباني المبالغة، فعله خَبَرَ يَخْبُر خُبْرا، وخَبُرْتُ بالأَمر أَي علمته وخبَرْتُ الأَمرَ أَخْبُرُهُ إِذا عرفته على حقيقته , والخبرة أبلغ من العلم لأنها علم وزيادة، فالخبير بالشيء من عَلِمَه وقام بمعالجته وبيانه وتجربته وامتحانه فأحاط بتفاصيله الدقيقة وألم بكيفية وصفه على الحقيقة .


والخبير سبحانه هو العَالِم بما كَان وما هو كائن وما سيكون وما لو كان كيف يكون وليس ذلك إلا لله عز وجل فهو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ولا يتحرك متحرك ولا يسكن إلا بعلمه، ولا تستقيم حياته إلا بأمره وإذنه .


والله عز وجل خبير له جنود السماوات والأرض يخبرونه بالوقائع لتحقيق الحكمة في الخلق وهو عليم بالأشياء قبل إخبار الملائكة عنها وبعد الإخبار عنها، ورد في صحيح البخاري من حديث أبي رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِالليْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ وَصَلاَةِ العَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ) .


فسؤاله سبحانه لهم ليس طلبا للعلم فهو السميع البصير العليم الخبير ولكن لإظهار شرف المؤمن عند ربه، وبيان فضله بين ملائكته وحملة عرشه، قال ابن حجر رحمه الله: ( قيل الحكمة فيه استدعاء شهادتهم لبني آدم بالخير واستنطاقهم بما يقتضي التعطف عليهم، وذلك لإظهار الحكمة في خلق نوع الإنسان في مقابلة من قال من الملائكة: } أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ { [البقرة:30]، أي وقد وجد فيهم من يسبح ويقدس مثلكم بنص شهادتكم .


دلالة الاسم على أوصاف الله :

**********************


اسم الله الخبير يدل على ذات الله وعلى صفة الخبرة , قال تعالى: } كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْراً { [الكهف:90/91]، والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والإحاطة واللطف والحكمة وغير ذلك من صفات الكمال، وقد ذكر الله كمال علمه بخلقه وإحاطته بهم ثم عقب باسمه الخبير فقال: } أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ { [الملك14]، وقال سبحانه أيضا: } لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللطِيفُ الخَبِيرُ { [الأنعام103]، ليبين أن من لوازم الخبرة العلم والإحاطة فلا يكون خبيرا بغير ذلك .



الدعاء باسم الله الخبير دعاء مسألة :

*************************


لم أجد دعاء المسألة بالاسم أو الوصف , ولكن ورد الدعاء بالمعنى الذي دل عليه الاسم , وَقَالَ عيسى عليه السلام : } إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ { [المائدة:118]، وورد رَفَعَ النبى صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ وَقَالَ: اللهُمَّ أمتي أمتي وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ تعالى : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَالَ وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ إِنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ وَلاَ نَسُوءُكَ ).


وكذلك دعاء الاستخارة الذي رواه البخاري من حديث جابر رضى الله عنه قال: ( كَانَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَليَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلِ اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ، اللهمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاقْدُرْهُ لي وَيَسِّرْهُ لي ثُمَّ بَارِكْ لي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لي في ديني وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي أَوْ قَالَ في عَاجِلِ أمري وَآجِلِهِ، فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ثُمَّ أَرْضِنِي، وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ).

ويمكن الدعاء أيضا بمقتضى قوله تعالى: } وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الذِي لا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيراً { [الفرقان:58].


الدعاء باسم الله الخبير دعاء عبادة :

**************************


أثر الاسم في سلوك العبد اعتماده على اختيار ربه في كل صغيرة وكبيرة من أمره فطالما آمن العبد بأن الله هو الخبير، سلم له في جميع شئونه مطلق التدبير، وهذا شأن أهل التوحيد واليقين ألا يخالفوا مراد الله وتدبيره، بل يسلموا إليه أمورهم ثقة في كمال تدبيره، سواء كان تدبيرا يتعلق بتوحيد الربوبية وتصريف أمور الخلق كالإيجاد والإمداد والمنع والعطاء على مقتضى حكمته في ترتيب الابتلاء، أو كان تدبيرا شرعيا يتعلق بتوحيد العبودية وما أمرهم به أو نهاهم أو ندبهم أو دعاهم، فلا ينازعون الله في تدبيره وشرعه أو قضائه وقدره ليقينهم أنه الملك الخبير القادر القدير، القابض على نواصي الخلق والمتولي شئون الملك، وتيقنهم مع ذلك أنه الحكيم في أفعاله وأنه لا تخرج عن العدل والحكمة والفضل والرحمة، فلم يدخلوا أنفسهم معه في تدبيره لملكه وتصريفه لأمور خلقه، ولم يتسخطوا على دينه أو يتمنوا سواه، بل همهم كله في إقامة حدوده والتزام حقه عليهم، فالذي وحد الله في اسمه الخبير يختار الله وكيلا كفيلا، والله عز وجل إذا تولى أمر عبد بجميل عنايته كفاه وأغناه وأسعده في الدنيا والآخرة .

ومهما طلب العبد من مولاه فإنه لا يستكثر حوائجه على الله، لعلمه أن مولاه كافيه ومعطيه فهو الغني بذاته عمن سواه، ومن جعل الله عز وجل وكيله لزمه أن يكون وكيلا لله على نفسه في إقامة حقوقه وفرائضه، فيخاصم نفسه في ذلك ليلا ونهارا، لا يفتر لحظة ولا يقصر طرفه، والذي يرضى بربه خبيرا لأمره هاديا لعمله وكيلا على نفسه قد وحد الله حقا في اسمه الخبير، ووثق أن ما كتب في اللوح سوف يدركه في أنواع التقدير ومن ثم تهون عليه الأمور ويركن بإيمانه إلي اللطيف الخبير.

وعند البخاري من حديث البراء رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ( إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ للصَّلاَةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلى شِقِّكَ الأَيْمَنِ، ثُمَّ قُل: اللهُمَّ أَسْلمْتُ وجهي إِليْكَ، وَفَوَّضْتُ أمري إِليْكَ، وَأَلجَأْتُ ظهري إِليْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِليْكَ، لاَ مَلجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِليْكَ اللهُمَّ آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الذي أَنْزَلتَ، وَبِنَبِيِّكَ الذي أَرْسَلتَ، فَإِنْ متَّ مِنْ ليْلتِكَ فَأَنْتَ عَلى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلمُ بِهِ ).

ومن جهة التسمية بعبد الخبير فقد تسمى به من رواة الحديث عبد الخبير بن قيس بن ثابت الأنصاري .

**********************************************************************************

نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق