السبت، 3 أبريل 2010

37 - اسم الله ( القدير )


بسم الله الرحمن الرحيم


من حديث مُعَاوِيَةَ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ: ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) .


الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

************************

ورد اسم الله القدير في القرآن والسنة، قال تعالى: } يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ العَلِيمُ القَدِيرُ { [الروم:54]، فالاسم ورد في الآية معرفا مطلقا مقترنا باسم الله العليم، وهو الموضع الوحيد في القرآن الذي ورد معرفا بالألف واللام، وقد ورد مطلقا منونا في ثلاثة مواضع، منها قوله تعالى: } عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ { [الممتحنة:7] .


أما بقية المواضع في القرآن الكريم والتي تزيد على ثلاثين موضعا فقد ورد الاسم مقرونا بالعلو والفوقية المطلقة على كل شيء, قال تعالى: } قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتِي المُلكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [آل عمران:26].


· شرح الاسم وتفسير معناه :

*********************

القدير في اللغة من صيغ المبالغة، ، قال ابن منظور: ( القادر والقَدِيرُ من صفات الله عز وجل يكونان من القُدْرَة ويكونان من التقدير،، فالله عز وجل على كل شيء قدير، والله سبحانه مُقَدِّرُ كُلِّ شيء وقاضيه ) , والقدير سبحانه وتعالى هو الذي يتولى تنفيذ المقادير ويخلقها على ما جاء في سابق التقدير؛ فمراتب القدر أربع مراتب، العلم والكتابة والمشيئة والخلق، والمقصود بهذه المراتب المراحل التي يمر بها المخلوق من كونه معلومة في علم الله في الأزل إلى الواقع المشهود، وهذه المراحل تسمى مراتب القدر، فلا بد لخلق الشيء وصناعته من العلم والكتابة والمشيئة ثم التصنيع والفعل، ويذكر ابن القيم أن القضاء والقدر منشؤه عن علم الرب وقدرته، ولهذا قال الإمام أحمد: ( القدر قدرة الله ) ,

ولهذا كان المنكرون للقدر فرقتين: فرقة كذبت بالعلم السابق ونفته وهم غلاتهم الذين كفرهم السلف والأئمة وتبرأ منهم الصحابة رضى الله عنهم , وفرقة جحدت كمال القدرة وأنكرت أن تكون أفعال العبادة مقدورة لله تعالى، وصرحت بأن الله عز وجل لا يقدر عليها ولا يخلقها، فأنكر هؤلاء كمال قدرة الرب وتوحيده في اسمه القدير، وأنكرت الأخرى كمال علمه وتوحيده في اسمه القادر .


دلالة الاسم على أوصاف الله :

********************

اسم الله القدير يدل على ذات الله وصفة القدرة , في الحديث القدسي، قال الله تعالى: ( مَنْ عَلِمَ مِنْكُمْ أَنِّي ذُو قُدْرَةٍ عَلَى مَغْفِرَةِ الذنُوب غَفَرْتُ لَهُ وَلاَ أُبَالِي ما لم يُشْرك بي شَيْئا ) , واسم الله القدير يدل باللزوم على الحياة والقيومية والعزة والأحدية والسمع والبصر والعلم والحكمة والغنى والقوة وغير ذلك من صفات الكمال،وقد اقترن اسم الله القدير باسمه العليم في غير موضع من القرآن لأن العلم من لوازم القدرة.


الدعاء باسم الله القدير دعاء مسألة :

*************************

ورد الدعاء بالاسم المقيد بالإضافة في قوله تعالى: } قُلِ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ { [آل عمران:26], وعند البخاري من حديث عبادة بن الصامت رضى الله عنه أنِ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ الليْلِ فَقَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ، وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ الحَمْدُ للهِ، وَسُبْحَانَ الله، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِالله؛ ثُمَّ قَالَ، اللهمَّ اغْفِرْ لِي، أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلى قُبِلَتْ صَلاَتُهُ ).


وعند البخاري من حديث أبي موسى الأشعري رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بهذا الدعاء: ( رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي، وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَاي وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي، وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي، اللهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ المُؤَخِّرُ، وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .


وعند البخاري من حديث جابر بن عبد الله t أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الاستخارة: ( اللهمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ .. الحديث ) .


الدعاء باسم الله القدير دعاء عبادة :

**********************

دعاء العبادة يتجلى في فهم العبد للعلاقة بين قدرة الله وحكمته، وكيف أن القضاء والقدر أمر واقع محتوم، وأن الإنسان مخير في فعله غير مجبور أو مقهور، ومحاسبته على فعله لا تعني أنه مظلوم؛ فالله عز وجل ابتلاه في هذه الدار، والابتلاء له وجهان: وجه يتعلق بقدرة الله وفعله بنا، ووجه يتعلق بفعلنا تجاه فعله ومدى التزامنا بدينه وأمره، فإذا أيقن العبد بذلك ظهرت آثار الإيمان بالاسم على حركاته وسكناته وسائر حياته، فلن يحتج بالقدر على عصيانه ومخالفاته، لعمله ويقينه أن التقدير المحكم لا بد بالضرورة أن يسبق التخليق والتصنيع، وأن الله عز وجل أحكم للمخلوقات غاياتها وقضى في اللوح أسبابها ومعلولاتها، فلن يتغير بنيان الخلق إلا بعد استكماله وتمامه، ولن يتبدل سابق الحكم في سائر الملك إلا بقيامه وكماله، وتلك مشيئة الله في خلقه وما قضاه وقدره في ملكه .

والله عز وجل على عرشه في السماء يفعل ما يشاء وبيده أحكام التدبير والقضاء، حكم بعدله أن يقوم الخلق على علة الابتلاء ثم يتحول بعدها إلى دار المحاسبة والجزاء، ولذلك ينبهنا الله في بعض المواطن إلى هذه الحقيقة، وأنه قادر على أن يفعل ما يشاء لولا ما سبق في الكتاب من أحكام القضاء، فقال سبحانه وتعالى: } لوْلا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ { [الأنفال:68]، وقال عز وجل : } وَلوْلا كَلمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لكَانَ لزَاماً وَأَجَل مُسَمّىً { [طه:129]، ؛ فالله عز وجل وله المثل الأعلى كتب مقادير كل شيء ورفعت الأقلام وجفت الصحف حتى يتم الخلق على ما قضى به الحق، قال ابن القيم: ( إنه سبحانه حكيم لا يفعل شيئا عبثاً ولا لغير معنىً ومصلحة، وحكمته هي الغاية المقصودة بالفعل، بل أفعاله سبحانه صادرةٌ عن حكمة بالغة لأجلها فعل ).


ومن ثم لا بد للموحد الذي وحد الله في اسمه القدير أن يؤمن بأن الله عز وجل من فوق عرشه يقلب الأمور في خلقه بقدرته، وأن معيته لهم معية عامة وخاصة، معية عامة بطلاقة القدرة وأوصاف الربوبية، بمعنى أنه مطلع على خلقه شهيد مهيمن عليهم يتابعهم ويراهم ويسمعهم ويتولى بنفسه من فوق عرشه الخلق والتدبير والرزق والتقدير، وإنزال المقادير على أوقاتها من اللوح المحفوظ في التقدير الأزلي، ثم ما دبره في التقدير الميثاقي ثم ما أمر به الملائكة في التقدير العمري والسنوي، ثم متابعتهم لحظة بلحظة في التقدير اليومي، وهذه العقيدة تجعل المسلم في ثقة دائمة بربه يعترف له بنعمته وفضله، وأنه مهما حدث متمسك بدينه وشرعه وواثق في وعده ونصره .


وقد سمي عبد القدير , وهو عبد القدير خان الذي صنع أول قنبلة ذرية للمسلمين في باكستان فسبحان القدير عز وجل .

*****************************************************************

نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة


للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق