الاثنين، 7 ديسمبر 2009

30 - اسم الله ( الآخر )


بسم الله الرحمن الرحيم




اللهم أنت الأول فليس قبلك شئ , وأنت الآخر فليس بعدك شئ ,وأنت الظاهر فليس فوقك شئ , وأنت الباطن فليس دونك شئ , اقض عنا الدين واغننا من الفقر .




الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :


************************


اسم الله الآخر ورد مع اسم الله السابق الأول فى قوله تعالى : ( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) الحديد :3 وكذلك ورد فى السنة من حديث أبى هريرة رضى الله عنه الذى تقدم وفيه : (---وأنت الآخر فليس بعدك شئ ---- الحديث ) .

شرح الاسم وتفسير معناه :

********************

الآخر فى اللغة اسم فاعل لمن اتصف بالآخرية , والآخر ما يقابل الأول , ويقال أيضا لما بقى فى المدة الزمنية مثل : قوله تعالى : ( وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُواْ بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) آل عمران : 72, ويقال للثانى من الأرقام العددية مثل قوله تعالى : ( ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ ) الشعراء : 66.

والآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية فهو الآخر الذى ليس بعده شئ الباقى بعد فناء الخلق , وهنا سؤال يطرح نفسه عن كيفية الجمع بين وصف الله عز وجل بأنه الآخر الباقى الذى ليس بعده شئ وبقاء المخلوقات فى الجنة ودوامها وأبديتها كما قال تعالى عن أهل الجنة ونعيمها ودوام متعتها ولذتها , قال تعالى : ( قَالَ اللّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ) المائدة : 119 , وقال عن أهل النار وعذابها ودوام الشقاء لأهلها , قال تعالى :

( وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ) الجن : 23 , قد يبدو فى الظاهر أن بقاء أهل الجنة وأهل النار أبدا متعارض مع إفراد الله عز وجل بالبقاء وأنه الآخر الذى ليس بعده شئ , لكن هذا التعارض يزول إذا علمنا أنه لابد أن نفرق فى قضية البقاء والآخرية بين ما يبقى ببقاء الله وما يبقى بإبقاء الله , أو نفرق بين بقاء الذات والصفات الإلهية وبقاء المخلوقات التى أوجدها الله عز وجل كالجنة والنار وما فيهما , فالجنة مثلا باقية بإبقاء الله , وما يتجدد فيها من نعيم متوقف فى وجوده على مشيئة الله .

أما ذاته وصفاته فباقيه ببقائه , وشتان بين ما يبقى ببقاء الله وما يبقى بإبقائه , فالجنة مخلوقه خلقها الله وكائنة بأمره وهى رهن مشيئة وحكمة , فمشيئة الله حاكمة على ما يبقى فيها وما لا يبقى .

ومن ثم فإن السلف الصالح يعتبرون خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته , فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات بل من طبيعتها جميعا الفناء , فالخلود هو بمدد دائم من الله تعالى .

أما صفات الله عز وجل ومنها عزته وعلوه ورحمته ويده وقدرته فهى صفات باقية ببقائة ملازمة لذاته حيث البقاء صفة ذاتية لله كما أن الأزليه صفة ذاتية له أيضا ,فلابد إذا أن نفرق بين صفات الأفعال الإلهية وأبديتها , ومفعولات الله الأبدية وطبيعتها , وهذا هو ما جاء به القرآن حيث فرق بين نوعين من البقاء , الأول هو بقاء الذات بصفاتها كما فى قوله تعالى : ( كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ, وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن 26 -27 , والنوع الثانى من البقاء بقاء المفعولات وأبديتها كالجنة والنار قال تعالى : ( وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) الأعلى : 17 , فالآية الأولى دلت على صفة من صفات الذات وهى صفة الوجه , ودلت على بقاء الصفة ببقاء الذات , فأثبتت بقاء الذات بصفاتها , وأثبتت فناء ما دونها أو إمكانيه فنائه , إذ أن الله هو الأول والآخر وهو بل كل شئ وبعد كل شئ .

دلالة الاسم على أوصاف الله :

**********************

اسم الله الآخر يدل على ذات الله وصفة الآخرية والبقاء , واسم الله الآخر يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه الأول من صفات الذات , فبقاء المخلوقات فى الآخرة لا لذاتها ولكن بعطاء من الله لإكرام أهل طاعته وإنفاذ عدله فى أهل معصيته .

الدعاء باسم الله الآخر دعاء مسألة :

***************************

النصوص الواردة فى اسم الله الأول شواهد لدعاء المسألة باسم الله الآخر , ويمكن الدعاء بالمعنى الذى دل عليه الاسم لان معنى الآخر هو الذى تنتهى إليه الأمور , وهو الذى بيده تصريف المقادير , وكل دعاء حول هذا المعنى يدخل تحت دعاء المسألة , مثل قول النبى صلى الله عليه وسلم إذا غزا يقول : اللهم أنت عضدى ونصيرى , بك أحول وبك أصول وبك أقاتل .

الدعاء باسم الله الآخر دعاء عبادة:

**************************

ذكر ابن القيم أن التعبد لله باسمه الآخر أن تجعله وحده غايتك التى لا غايه لك سواه ولا مطلوب لك وراءه , فكما انتهت إليه الأواخر , وكان بعد كل آخر فكذلك اجعل نهايتك إليه, فإن إلى ربك المنتهى , وعند تحقيق التوحيد فى الإسم تجد الموحد يعود بافتقار إلى ربه , ويجعل المرجعيه فى فعله إلى ما اختاره لعبده , لعلمه أن الله عز وجل مالك الإرادات ورب القلوب والنيات يصرفها كيف شاء , فمن شاء أن يزيغه منها أزاغه , ومن شاء أن يقيمه أقامه , والتحقيق بمعرفه الاسم يوجب صحة الاضطرار وكمال الافتقار , ويعلم أن القلوب بيد مقلب القلوب يصرفها كيف يشاء .

ومن جهة التسمية بعبد الآخر تسمى به فى عصرنا الحديث .

*********************************************************************************

نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابنة فى الكتاب والسنة .

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق