الثلاثاء، 7 ديسمبر 2010

48 - اسم الله ( القهار )

بسم الله الرحمن الرحيم

من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تضور من الليل قال: ( لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار)


• الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :
**************************
سمى الله عز وجل نفسه القهار على سبيل الإطلاق مرادا به العلمية ودالا على كمال الوصفية في كثير من النصوص القرآنية، كما في قوله تعالى:  يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  [يوسف:39]، وقوله:  قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  [الرعد:16] .
أما عن ورود الاسم في السنة فقد تقدم في الاسم السابق حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِذَا بُدِّلَتِ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: عَلَى الصِّرَاطِ )
• شرح الاسم ومعناه :
*********************
القهار صيغة مبالغة، فعال من اسم الفاعل القاهر، والفرق بين القاهر والقهار أن القاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق باعتبار جميع المخلوقات وعلى اختلاف تنوعهم فهو قاهر فوق عباده، فلا يقوى ملك من الملوك أن ينازعه في علوه مهما تمادى في سلطانه وظلمه وإلاقهره القاهر، وعند البخاري من حديث البراء بن عازب أن النبي  قال: ( اللهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَا مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ ) ، فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه، فالقاهر هو الذي له علو القهر الكلي المطلق .

أما القهار فهو الذي له علو القهر باعتبار الكثرة والتعيين في الجزء، أو باعتبار نوعية المقهور، فالله  أهلك قوم نوح وقهرهم، وقهر قوم هود وثمود، وقهر فرعون وهامان
والله سبحانه قهار لكل متكبر جبار، والدنيا فيها المتكبرون وما أكثرهم وفيها المجرمون، والمستضعفون كثيرون عاجزون يفتقرون إلى معين قهار وملك قادر جبار، فالواحد القهار هو ملجأهم، وهو بالمرصاد لكل متكبر جبار .

ومن ثم فإن القهار هو كثير القهر للظالمين، وقهره عظيم أليم، يقصم ظهر الجبابرة من أعدائه فيقهرهم بالإماتة والإذلال، ويقهر من نازعه في ألوهيته وعبادته، وربوبيته وحاكميته وأسمائه وصفاته
• دلالة الاسم على أوصاف الله :
***********************
اسم الله القهار يدل على ذات الله وعلى صفة القهر ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والعلم الأحدية والقدرة والصمدية والغنى والعزة والكبرياء والقوة، وغير ذلك من صفات الكمال.

• الدعاء باسم الله القهار دعاء مسألة:
*************************
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في الحديث الذي تقدم عن عائشة رضي الله عنها في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم إذا تضور من الليل قال: ( لا إله إلا الله الواحد القهار رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار )
وقال تعالى عن يوسف عليه السلام :يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ  [يوسف:39]، وهو استفهام تقريري يدل على دعاء المسألة والعبادة معا أراد به يوسف عليه السلام دعاء الله وحده لا شريك له وعبادته وخلع ما سواه من الأوثان التي يعبدها قومهما، فهل دعاء الذي ذل كل شيء لعز جلاله وعظمة سلطانه خير أم التي يعبدونها ويسمونها آلهة من تلقاء أنفسهم والتي تلقاها خلفهم عن سلفهم؟


• الدعاء باسم الله القهار دعاء عبادة :
***************************
دعاء العبادة بالاسم هو قهر النفس بالاستغفار والتوبة، وقهر وسواس الشيطان بالاستعاذة، وقهر الشبهة والجهل باليقين ونور العلم، وقهر كل ظالم جبار بالاستعاذة بالله الواحد القهار، قال تعالى:  وَقَال المَلأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ ليُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلهَتَكَ قَال سَنُقَتِّل أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُون قَال مُوسَى لقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ للهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ  [الأعراف:128] .
ومن دعاء العبادة أيضا أن يلين المسلم للفقراء والمستضعفين ويحنوا على اليتامى والمساكين، ويعفو عند المقدرة عن المسيئين، قال تعالى : فَأما اليَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ وَأَمَّا السَّائِل فَلا تَنْهَرْ  [الضحى:10] .
أما التسمي بالتعبد لاسم الله القهار، فقد تسمى به
*********************************************************************************ن
نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى

الثلاثاء، 26 أكتوبر 2010

47- اسم الله ( الواحد )


بسم الله الرحمن الرحيم


من حديث حَنْظَلة بْن عَلِيٍّ أَنَّ مِحْجَنَ بْنَ الأَدْرَعِ رضى الله عنه: ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ المَسْجِدَ إذَا رَجُلٌ قَدْ قَضَى صَلاَتَهُ وَهُوَ يَتَشَهَّدُ فَقَال: اللهُمَّ إنِّي أَسْأَلُكَ يَا أَللهُ بِأَنَّكَ الوَاحِدُ الأَحَدُ الصَّمَدُ الذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : قَدْ غُفِرَ لَهُ ثَلاَثاً )

• الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :
************************

ورد اسم الله الواحد معرفا بالألف واللام ومنونا، مطلقا يفيد المدح والثناء على الله بنفسه كما ورد ذلك في قوله تعالى: ( يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّار ) [إبراهيم:48]، وقال تعالى:( إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ ) [النحل:22]، وقوله: ( قُل اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار ) [الرعد:16]، ودائما ما يقترن اسم الله الواحد باسمه القهار لأن علو القهر من لوازم الوحدانية، كما قال تعالى: ( لوْ أَرَادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللهُ الوَاحِدُ القَهَّار ) [الزمر:4] .

وروى البخاري من حديث أَبي سعيد رضى الله عنه أنه قال: ( قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لأَصْحَابِهِ: أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: أَيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللهِ فَقال: اللهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ ثُلُثُ الْقُرْآنِ ) ..


وعند مسلم وأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: إِذَا بُدِّلَتِ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَئِذٍ؟ قال: عَلَى الصِّرَاطِ )


• شرح الاسم وتفسير معناه :
*******************
والواحد سبحانه هو القائم بنفسه المنفرد بوصفه الذي لا يفتقر إلى غيره أزَلا وأبَدا وهو الكامل في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، فهو سبحانه كان ولا شيء معه، ولا شيء قبله، ومازال بأسمائه وصفاته واحد أولا قبل خلقه، فوجود المخلوقات لم يزده كمالا كان مفقودا أو يزيل نقصا كان موجودا، فالوحدانية قائمة على معنى الغنى بالنفس والانفراد بكمال الوصف، قال ابن الأَثير: ( الواحد في أَسماء الله تعالى هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه آخر )

ومن الأدلة العقلية في إثبات وحدانية الإله وتفرده بالربوبية دليل التمانع الذي أشار إليه ابن القيم فيما سبق، وملخصه أنا لو قدرنا وجود إلهين اثنين وفرضنا أمرين متضادين وقدرنا إرادة أحدهما لأحد الضدين، وإرادة الثاني للثاني فلا يخلو من أمور ثلاثة، إما أن تنفذ إرادتهما أو لا تنفذ أو تنفذ إرادة أحدهما دون الآخر، ولما استحال أن تنفذ إرادتهما لاستحالة اجتماع الضدين، واستحال أيضا ألا تنفذ إرادتهما لتمانع الإلهين.

ومن ثم لا يجوز أن يكون في السماوات والأرض آلهة متعددة، بل لا يكون الإله إلا واحدا وهو الله عز وجل، ولا صلاح لهما بغير الوحدانية، فلو كان للعالم إلهان ربان معبودان لفسد نظامه واختلت أركانه، قال تعالى: ( لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ) [الأنبياء:22].

دلالة الاسم على أوصاف الله :
*********************
اسم الله الواحد يدل على ذات الله وعلى صفة الوحدانية , ويدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والمشيئة والقدرة والغنى والقوة والعلو والقهر والعظمة والهيمنة والكبرياء والعزة، وغير ذلك من أوصاف الكمال، وقد اقترن اسم الله الواحد باسمه القهار فقال: ( قُل اللهُ خَالقُ كُل شَيْءٍ وَهُوَ الوَاحِدُ القَهَّار ) [الرعد:16]،
وذلك لأن معاني العلو من لوازم الوحدانية، فالذي علا بذاته وارتفع ارتفاعا مطلقا فوق الكل ينفرد بالوحدانية والعلو والعظمة والمجد بدلالة اللزوم، والله عز وجل من جهة علو الفوقية متوحد في علوه، مستو على عرشه بائن من خلقه، لا شيء من ذاته في خلقه ولا خلقه في شيء من ذاته، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى أفعالهم ولا تخفى عليه منهم خافية، ومن جهة علو الشأن منفرد بكل معاني الكمال متوحد منزه عن النقائص والعيوب التي تنافي معاني الألوهية والربوبية، فتعالى في أحديته عن الشريك والظهير والولي والنصير، وتعالى في صمديته عن الصاحبة والولد وأن يكون له كفوا أحد .
وتعالى في كمال حياته وقوميته ومشيئته وقدرته، وتعالى في كمال حكمته وحجته، وتعالى في كمال علمه عن الغفلة والنسيان، وعن ترك الخلق سدى دون غاية لخلق الجن والإنسان.


الدعاء باسم الله الواحد دعاء مسألة .:
**************************
ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق في مقتضى قوله تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدا ) [الكهف:110].

وورد عند ابن حبان وصححه الألباني من حديث عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا تضور من الليل قال: ( لا إله إلا الله الواحد القهار، رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار ) .
وورد الدعاء بالوصف عند البخاري من حديث المغيرة بن شعبه رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول في دبر كل صلاة إذا سلم: ( لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللهمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِي لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ ) .


الدعاء باسم الله الواحد دعاء عبادة :
**************************
أثر الاسم في على العبد يظهر في اعتقاده وسلوكه، فأكبر همه الدعوة إلي توحيد الواحد، مبتدأ بأمر نبيه صلى الله عليه وسلم في توحيد الله قبل كل شيء، روي البخاري من حديث ابن عباس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذ بن جبل رضى الله عنه نحو اليمن قال له: ( إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلى قَوْمٍ مِنْ أَهْل الكِتَابِ فَليَكُنْ أَوَّل مَا تَدْعُوهُمْ إِلى أَنْ يُوَحِّدُوا اللهَ تعالى )
ومن وحد الله عز وجل في اسمه الواحد تجلى توحيده في كل قول له أو فعل، فيكثر من ترديد الشهادة والذكر عملا بما ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله ِصلى الله عليه وسلم قال: ( مَنْ قَال لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، لهُ المُلكُ وَلهُ الحَمْدُ وَهْوَ عَلى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ فِي يَوْمٍ مِائَةَ مَرَّةٍ، كَانَتْ لهُ عَدْل عَشْرِ رِقَابٍ وَكُتِبَ لهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِائَةُ سَيِّئَةٍ، وَكَانَتْ لهُ حِرْزًا مِنَ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلكَ حَتَّى يُمْسِي، وَلمْ يَأْتِ أَحَدٌ بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ رَجُل عَمِل أَكْثَرَ مِنْهُ )

وكذلك يكون ثابتا في الحق لا يخاف في الله لومة لائم، اعتقادا منه أن أموره ترجع إلى الله عز وجل وحده لا شريك له، فيتوكل عليه ويلجأ إليه، ويستعين به ويعتمد عليه، قال تعالى: ( قُل إِنِّي لنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلتَحَدا ) [الجن:22].

أما من تسمى بالتعبد لاسم الله الواحد فكثير
************************************************************

نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة .

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى

الأحد، 1 أغسطس 2010

46 - اسم الله ( المتعال)


بسم الله الرحمن الرحيم


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَقُولُ اللهُ عز وجل: أَنَا الجَبَّارُ أَنَا المُتَكَبِّرُ، أَنَا المَلِكُ أَنَا المُتَعَالِ، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ، قَالَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ المِنْبَرُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ )


الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

************************

ورد اسم الله المتعال في القرآن في موضع واحد على سبيل الإطلاق معرفا , وذلك في قوله تعالى: } عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ { [الرعد:9]، وفي السنة عند أحمد بسند صحيح من حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضى الله عنه أنه قال: ( قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ وَهُوَ عَلَى المِنْبَرِ: } وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ { قَالَ صلى الله عليه وسلم : ( يَقُولُ اللهُ عز وجل : أَنَا الجَبَّارُ أَنَا المُتَكَبِّرُ، أَنَا المَلِكُ أَنَا المُتَعَالِ، يُمَجِّدُ نَفْسَهُ، قَالَ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرَدِّدُهَا حَتَّى رَجَفَ بِهِ المِنْبَرُ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيَخِرُّ بِهِ ) .


شرح الاسم وتفسير معناه :

*******************

المتعالي اسم فاعل من تعالى، والمتعالي فعله تعالى يتعالى فهو متعال، وهو أبلغ من الفعل علا، والمتعَالي سبحانه هو القاهرُ لخلقِهِ بقدرتِهِ التَّامَّةِ، وأغلب المفسرين جعلوا الاسم دالا على علو القهر، وهو أحد معاني العلو، فالمتعالي هو المستعلي على كل شيء بقدرته، قال ابن كثير: ( المتعال على كل شيء قد أحاط بكل شيء علما وقهر كل شيء فخضعت له الرقاب ودان له العباد طوعا وكرها ، وقال أيضا: ( وهو الكبير المتعال، فكل شيء تحت قهره وسلطانه وعظمته، لا إله إلا هو، ولا رب سواه لأنه العظيم الذي لا أعظم منه ) .

فالمتعالي سبحانه هو الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته، فلا غالب له ولا منازع بل كل شيء تحت قهره وسلطانه، قال تعالى: } وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الحَكِيمُ الخَبِيرُ { [الأنعام:18]، وقد جمع الله في هذه الآية بين علو الذات وعلو القهر، وكذلك قوله تعالى: } وَهُوَ القَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً { [الأنعام:61]، فاجتماع علو القهر مع علو الفوقية يعني أنه الملك من فوق عرشه الذي علا بذاته فوق كل شيء والذي قهر كل شيء، وخضع لجلاله كل شيء، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء .


دلالة الاسم على أوصاف الله :

**********************

اسم الله المتعال يدل على ذات الله وعلى علو القهر , قال تعالى: } مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُون { [المؤمنون:91]، وقد ذكر ابن القيم في الآية أن الإله الحق لا بد أن يكون خالقا فاعلا، يوصل إلى عابده النفع ويدفع عنه الضر، فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضى بشركة الإله الآخر معه.

واسم الله المتعال يدل باللزوم على الحياة والقيومية والأحدية والصمدية والعزة والكبرياء والهيمنة والجبروت، وغير ذلك من أوصاف الكمال، واسم الله المتعال دل على صفة من صفات الذات والأفعال .


الدعاء باسم الله المتعال دعاء مسألة :

**************************

لم أجد دليلا في دعاء المسألة بالاسم، ويمكن الدعاء بالمعنى فالمتعَالي سبحانه هو القاهرُ لخلقِهِ بقدرتِهِ التَّامَّةِ الذي ليس فوقه شيء في قهره وقوته، فلا غالب له ولا منازع، وكل شيء تحت سلطانه وعظمته، وقد دعا موسى عليه السلام فقال: } إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الحِسَاب { [غافر:27]، وعند أبي داود وصححه الشيخ الألباني من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خاف قوما قال: ( اللهمَّ إِنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِمْ ).

والمسلم يذكر هذا الاسم في دعائه بما يناسب حاجته ومطلوبه، كأن يدعو به لطلب العزة إن كان ذليلا مقهورا، وأن يفرج الله كربه إن كان مظلوما .


الدعاء باسم الله المتعال دعاء عبادة :

***************************

دعاء العبادة هو مظهر يخضع فيه العبد الفقير لربه المتعال، فهو لله ذليل خاضع وفي جناب عزه مسكين متواضع، لعلمه أن المتعال لا يدفعه عن مراده دافع، وليس له شريك ولا منازع، هو القادر الذي بهر أبصار الخلائق جلاله وبهاؤه، وحصر ألسن الأنبياء وصفه وثناؤه، وارتفع عن حد قدرتهم إحصاؤه واستقصاؤه، فالعظمة إزاره والكبرياء رداؤه، ومن نازعه فيهما قصمه بداء الموت فأعجزه دواؤه، جل جلاله وتقدست ، فوجب على الموحد لله في اسمه المتعال ألا يخلع عن نفسه رداء العبودية لينازع ربه في علو القهر والشأن والفوقية أو يشاركه في العلو والكبرياء وعظمة الأوصاف والأسماء، فالكبرياء والعظمة والعلو والعزة كل ذلك لا يليق إلا بالمتوحد المتعال، أما العبد المملوك الضعيف العاجز الذي لا يقدر على شيء فمن أين يليق بحاله التعالي؟

وقد تسمى باسم عبد المتعال .


************************************************************************************

نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة .

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى

الأربعاء، 7 يوليو 2010

45 - اسم الله ( الكبير )


بسم الله الرحمن الرحيم

(بسم الله الرحمن الرحيم... بسم الله خير الأسماء، بسم الله رب الأرض والسماء، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه أذى، بسم الله الكافي، بسم الله المعافي، بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، بسم الله على نفسي وديني، بسم الله على أهلي ومالي، بسم الله على كل شيء أعطانيه ربي، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أعوذ بالله مما أخاف وأحذر... الله ربي ولا أشرك به شيئاً... عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك، ولا إله غيرك. اللهم إني أعوذ بك من شر كل جبار عنيد وشيطان مريد ومن شر قضاء السوء ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إنَّ ربي على صراط مستقيم) .

الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :
***************************

ورد اسم الله الكبير مقترنا باسمه المتعال في قوله تعالى: } عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الكَبِيرُ المُتَعَالِ { [الرعد:9]، ومقترنا بالعلي في عدة مواضع منها قوله: } ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ البَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ { [لقمان:30] ، وقد ورد في السنة عند البخاري من حديث أَبِى رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ في السَّمَاءِ ضَرَبَتِ المَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ كَالسِّلسِلَةِ عَلَى صَفْوَانٍ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا: مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا لِلذِي قال: الحَقَّ وَهْوَ العَلِىُّ الكَبِيرُ ) .

شرح الاسم وتفسير معناه :
*********************

الكبير في اللغة من صيغ المبالغة فعله كَبُرَ كِبَراً وكُبْراً فهو كبير , ويكون الكبر في اتساع الذات وعظمة الصافات نحو قوله تعالى: } فَجَعَلَهُمْ جُذَاذا إِلا كَبِيراً لَهُمْ لَعَلهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ { [الأنبياء:58]، وأيضا في التعالي بالمنزلة والرفعة كقوله: } وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا { [الأنعام:123] .

والكبير سبحانه هو العظيم في كل شيء، عظمته عظمة مطلقة، وهو الذي كبر وعلا في ذاته، قال تعالى: } وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ { [البقرة:255]، روي عن عبد الله بن عباس رضى الله عنه أنه قال: ( ما السماوات السبع والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) ، وهو الكبير في أوصافه فلا سمي له ولا مثيل، ولا شبيه ولا نظير، وهو الكبير في أفعاله فعظمة الخلق تشهد بكماله وجلاله، قال تعالى: } لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ { [غافر:57]، وهو سبحانه المتصف بالكبرياء ومن نازعه في ذلك قسمه وعذبه، روى مسلم من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاء رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ ).

· دلالة الاسم على أوصاف الله :
***********************

اسم الله الكبير يدل على ذات الله وعلى صفة الكِبَر , وعند البخاري من حديث أنس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرِينَ ) , وعند مسلم في الصلاة من حديث عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِذَا قَالَ المُؤَذِّنُ الله أَكْبَرُ الله أَكْبَر، فَقَالَ أَحَدُكُمُ: الله أَكْبَرُ الله أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله ... ثُمَّ قال: الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، قال: الله أَكْبَرُ، الله أَكْبَرُ، ثُمَّ قال: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، قال: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله مِنْ قَلبِهِ دَخَلَ الجَنَّةَ) .

وقال تعالى: } وَقُلِ الحَمْدُ للهِ الذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً { [الإسراء:111]، وقال: } سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً { [الإسراء:43]، واسم الله الكبير يدل باللزوم على الحياة والقيومية والقدرة والصمدية وعلو الشأن والقهر والفوقية والسعة والعظمة، وغير ذلك من صفات الكمال .


الدعاء باسم الله الكبير دعاء مسألة :

*************************

ورد دعاء المسألة بالاسم المطلق فى قوله تعالى في الرد على أهل النار وطلبهم الخروج منها: } ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ { [غافر:12]، فالواجب على الموحدين أن يدعوا الله العلي الكبير الذي له الحكم في الدنيا والآخرة قبل أن يقفوا هذا الموقف الأليم، وهذا الدعاء يشمل دعاء المسألة والعبادة معا .

وورد الدعاء بالوصف الذي تضمنه الاسم عند مسلم من حديث مصعب بن سعد رضى الله عنه عن أَبِيهِ أنه قال: ( جَاءَ أعرابي إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ علمني كَلاَمًا أَقُولُهُ، قَالَ: قُل لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالحَمْدُ للهِ كَثِيرًا، سُبْحَانَ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ العَزِيزِ الحَكِيمِ، قال: فَهَؤُلاَءِ لِرَبِّي فَمَا لي؟ قال: قُلِ اللهُمَّ اغْفِرْ لي وارحمني وَاهْدِنِي وَارْزُقْنِي ) .

وروى أيضا من حديث ابن عمر رضى الله عنه أنه قال: ( بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ صلى الله عليه وسلم إِذْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا وَالحَمْدُ لِلهِ كَثِيرًا وَسُبْحَانَ اللهِ بُكْرَةً وَأَصِيلا، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم : مَنِ القَائِلُ كَلِمَةَ كَذَا وَكَذَا؟، قَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، قال: عَجِبْتُ لَهَا، فُتِحَتْ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَمَا تَرَكْتُهُنَّ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ ).

وعند البخاري من حديث أبي صالح عن أبي هريرة رضى الله عنه أنه قال: ( جَاءَ الفُقَرَاءُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ذَهَبَ أَهْلُ الدُّثُورِ - الأغنياء - مِنَ الأَمْوَالِ بِالدَّرَجَاتِ العُلاَ وَالنَّعِيمِ المُقِيمِ يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، قال: أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ، تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا، فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقال: تَقُولُ سُبْحَانَ اللهِ وَالحَمْدُ للهِ وَاللهُ أَكْبَرُ حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، قَالَ أَبُو صَالِحٍ: فَرَجَعَ فُقَرَاءُ المُهَاجِرِينَ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: سَمِعَ إِخْوَانُنَا أَهْلُ الأَمْوَالِ بِمَا فَعَلنَا فَفَعَلُوا مِثْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ ) .


الدعاء باسم الله الكبير دعاء عبادة :

*************************

أثر الاسم على سلوك العبد يتجلى في توحيد الله بالعبودية، وأن يخلع عن نفسه أوصاف الربوبية، ولا ينازع ربه أو يتشبه به في الكبرياء والفوقية، فيرى ضآلة نفسه ووصفه مهما بلغت به الرياسة والحاكمية، ولا يغضب لأموره الشخصية، بل يغار إذا انتهكت حرمات الله، ويتقبل النصح من آحاد الرعية، وأن يكون أمينا راعيا على قدر الأمانة والمسئولية، وإذا أخذته العزة بأنه الكبير في أرضه والأمير على بلده يتذكر أن الله عز وجل متوحد في اسمه ووصفه؛ وأنه الكبير الذي لم يتخذ ولدا، ولم يكن له شريك في الملك، قال تعالى: } وَقُل الحَمْدُ للهِ الذِي لمْ يَتَّخِذْ وَلداً وَلمْ يَكُنْ لهُ شَرِيكٌ فِي المُلكِ وَلمْ يَكُنْ لهُ وَليٌّ مِنَ الذُّل وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً { [الإسراء:111] , وقال عز وجل :( ذَلكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالحُكْمُ للهِ العَليِّ الكَبِيرِ { [غافر:12].


وقد تسمى بعبد الكبير لمن أراد التسمية به .


*********************************************************************************

نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة .

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى .

44 - اسم الله ( الستير )


بسم الله الرحمن الرحيم


( اللهم استر عورتي وآمن روعتي واقض عني ديني ).


الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

*************************

ورد الاسم في السنة مقرونا باسم الله الحيي، وقد اشتهر اسم الستار بين الناس بدلا من الستير، وهو خطأ لأنه لم يرد في القرآن أو السنة، أما الستير فقد ورد مطلقا منونا , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل حَلِيمٌ حَيِيٌّ سِتِّيرٌ، يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ ) , وفي سنن البيهقي عَنْ ابْنِ عباس رضى الله عنه : ( أَنَّ رَجُلَيْنِ سَأَلاَهُ عَنْ الاِسْتِئْذَانِ فِي الثَّلاَثِ عَوْرَاتٍ التِي أَمَرَ اللهُ بِهَا في الْقُرْآنِ، فَقَالَ لَهُمُ: إِنَّ اللهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ السَّتْرَ ... الحديث ).


شرح الاسم وتفسير معناه :

*******************

ستر الشيء يَسْتُرُه سَترا أَخفاه، والستير هو الذي من شأْنه حب الستر والصَّوْن والحياء، والسُّتْرةُ ما يُستَر به كائنا ما كان، وكذا السِّتَارة والجمع السَّتَائِرُ، وسَتَر الشيء غطاه، روى البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ( جَاءَتْنِي امْرَأَة مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلنِي، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فأعْطيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ، فَدَخَلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَحَدَّثتُهُ فَقَال: مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ البَنَاتِ شَيْئا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ ) .


والستير سبحانه هو الذي يحب الستر ويبغض القبائح، ويأمر بستر العورات ويبغض الفضائح، يستر العيوب على عباده وإن كانوا بها مجاهرين، ويغفر الذنوب مهما عظمت طالما أن عبده من الموحدين، وإذا ستر الله عبدا في الدنيا ستره يوم القيامة روى مسلم من حديث أبي رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لاَ يَسْتُرُ الله عَلَى عَبْدٍ في الدُّنْيَا إِلاَّ سَتَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).


وروى البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافى إِلا المجَاهِرِينَ، وَإِن مِنَ المجَانَةِ أَن يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِالليْلِ عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ الله، فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ ) , وعند البخاري من حديث ابن عمر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى في نَفسِهِ أَنَّهُ هَلَك، قال: سَتَرْتُهَا عَلَيْك في الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغفِرُهَا لَك اليَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الكافِرُ وَالمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاَءِ الذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) .



دلالة الاسم على أوصاف الله :

********************

اسم الستير يدل على ذات الله وعلى صفة الستر , فالستير هو المتصف بالستر، روى البخاري من حديث ابن رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ الله يَوْمَ القِيَامَةِ ) , وعند البخاري من حديث عبادة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا ثُمَّ سَتَرَهُ الله فَهُوَ إِلَى الله إِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَإِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ ) ، واسم الله الستير يدل باللزوم على ما دل عليه اسمه الحيي والاسم دل على صفة من صفات الأفعال .


الدعاء باسم الله الستير دعاء مسألة :

**************************

ورد دعاء المسألة بالوصف الذي تضمنه الاسم عند أبي داود وصححه الألباني من حديث ابن عمر رضى الله عنه أنه قال: ( لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي وَحِينَ يُصْبِحُ: اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ العَفْوَ وَالعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَاي وَأَهْلِي وَمَالِي، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِي أو عَوْرَاتِي، وَآمِنْ رَوْعَاتِي، اللهُمَّ احْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَي وَمِنْ خَلفِي، وَعَنْ يَمِينِي وَعَنْ شِمَالِي وَمِنْ فَوْقِي، وَأَعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي ) , وعند أحمد من حديث أَبِي سعيد الخدري رضى الله عنه أنه قال: ( قُلْنَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ: يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ مِنْ شيء نَقُولُهُ فَقَدْ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الحَنَاجِرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، اللهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَآمِنْ رَوْعَاتِنَا، قَالَ: فَضَرَبَ اللهُ عز وجل وُجُوهَ أَعْدَائِهِ بِالرِّيحِ، فَهَزَمَهُمُ اللهُ عَزَّ وَجَل بِالرِّيحِ ) .


الدعاء باسم الله الستير دعاء عبادة :

*************************

أثر الاسم على العبد أن يستر على نفسه وغيره الحرمة، وأن يكثر من الطاعة والتهجد في الظلمة، روى الترمذي وحسنه الشيخ الألباني من حديث موسى بن طلحة عن أبي اليسر كعب بن رضى الله عنه قال: ( أَتَتْنِي امْرَأَةٌ تَبْتَاعُ تَمْرًا فَقُلتُ: إِنَّ فِي البَيْتِ تَمْرًا أَطْيَبَ مِنْهُ، فَدَخَلتْ مَعِي فِي البَيْتِ، فَأَهْوَيْتُ إِليْهَا فَقَبَّلتُهَا، فَأَتَيْتُ أَبَا بَكْرٍ فَذَكَرْتُ ذَلكَ لهُ، قَال: اسْتُرْ عَلى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلاَ تُخْبِرْ أَحَدًا، فَلمْ أَصْبِرْ فَأَتَيْتُ عُمَرَ فَذَكَرْتُ ذَلكَ لهُ؛ فَقَال: اسْتُرْ عَلى نَفْسِكَ وَتُبْ وَلاَ تُخْبِرْ أَحَدًا، فَلمْ أَصْبِرْ، فَأَتَيْتُ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرْتُ ذَلكَ له، فَقَال لهُ: أَخَلفْتَ غَازِيًا فِي سَبِيل اللهِ فِي أَهْلهِ بِمِثْل هَذَا، حَتَّى تَمَنَّى أَنَّهُ لمْ يَكُنْ أَسْلمَ إِلاَّ تِلكَ السَّاعَةَ، حَتَّى ظَنَّ أَنَّهُ مِنْ أَهْل النَّارِ، قَال: وَأَطْرَقَ رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم طَوِيلاً حَتَّى أَوْحَى اللهُ إِليْهِ: } وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلفاً مِنَ الليْل إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلكَ ذِكْرَى للذَّاكِرِينَ { [هود:114]، قَال أَبُو اليَسَرِ: فَأَتَيْتُهُ فَقَرَأَهَا عَلي رَسُول صلى الله عليه وسلم فَقَال أَصْحَابُهُ: يَا رَسُول اللهِ: أَلهَذَا خَاصَّةً أَمْ للنَّاسِ عَامَّةً؟ قَال: بَل للنَّاسِ عَامَّةً ) .

وعند البخاري من حديث ابن رضى الله عنه أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( المُسْلمُ أَخُو المُسْلمِ، لاَ يَظْلمُهُ وَلاَ يُسْلمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلمًا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) , وعنده من حديث أبي هريرة رضى الله عنه مرفوعا: ( كُل أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ المُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنَ المَجَانَةِ أَنْ يَعْمَل الرَّجُل بِالليْل عَمَلاً، ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللهُ، فَيَقُول يَا فُلاَنُ عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللهِ عَنْهُ ) .


أما من جهة التسمية بعبد الستير فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي به في مجال ما أجرينا عليه البحث، وكذلك جميع محركات البحث علي الإنترنت، وأنبه على أن الستار ليس من أسماء الله الحسنى ولم يسم الله نفسه به، ومن تسمى بعبد الستار فليغيره إلى عبد الستير .

*********************************************************************************

نقلا عن كتاب ": أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة .

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى

الجمعة، 2 يوليو 2010

43 - اسم الله ( الحيى )


بسم الله الرحمن الرحيم


في حديث سلمان الفارسي رضى الله عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خائبتين ) .


الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

************************

لم يرد الاسم في القرآن ولكن سماه به النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وصححه الألباني من حديث يَعْلَى بن أمية رضى الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى رَجُلاً يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ بِلاَ إِزَارٍ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ صلى الله عليه وسلم : إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَل حَيِىٌّ سِتِّيرٌ يُحِبُّ الْحَيَاءَ وَالسَّتْرَ فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْتَتِرْ ) .

وفي سنن أبى داود وصححه الألباني من حديث سَلْمَانَ الفارسي رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا ) .


شرح الاسم وتفسير معناه :

******************


الحيي في اللغة هو المتصف بالحياء، والحياء صفة خلقية رقيقة وسجية لطيفة دقيقة تمنع النفس من تجاوز أحكام العرف أو من تجاوز أحكام الشرع؛ وأحكام العرف يقصد بها كل ما تعرفه النفوس وتستحسنه العقول من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهي التي كانت ولم تزل مستحسنة في كل زمان ، وعند البخاري من حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلاَمِ النُّبُوَّةِ الأُولَى إِذَا لَمْ تَسْتَح فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ ) .


والمقصود أن الحياء لم يزل مستحسنا في شرائع الأنبياء وأنه لم ينسخ في جملة ما نسخ من شرائعهم , وعند البخاري من حديث أبي رضى الله عنه قال: ( فَوَاللهِ لَوْلا الْحَيَاءُ مِنْ أَنْ يؤثروا عَليَّ كَذِبًا لَكَذَبْتُ عَنْهُ ) ، وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ موسى كَانَ رَجُلا حَيِيًّا سِتِّيرًا لاَ يُرَى مِنْ جِلْدِهِ شَيْءٌ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ), والله عز وجل قال: } فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا { [القصص:25]، فالحياء صفة أخلاقية وسجية نفسية تراعي مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم وهي كلها خير .
أما حياء الشرع فهو الحياء الذي يحفظ به العبد حدود الله ومحارمه، وربما يتطلب ذلك ورعا واتقاء للشبهة مما يحيف على الحيي بعض الشيء .

والله عز وجل هو الحيي الذي تكفل بعباده وأرزاقهم لأنه ليس لهم أحد سواه فهو الذي يقبل توبتهم ويوفق محسنهم مع دعاءهم ولا يخيب رجاءهم، وحياء الرب تعالى لا تدركه الأفهام ولا تكيفه العقول فإنه حياء كرم وبر وجود وجلال.


والحياء وصف كمال لله عز وجل لا يعارض الحكمة، ولا يعارض بيان الحق والحجة كما قال تعالى: } إِن اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَة فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ الله بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيرا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِل بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ { [البقرة:26] .



دلالة الاسم على أوصاف الله :

**********************

اسم الله الحيي يدل على ذات الله وعلى صفة الحياء , والاسم يدل باللزوم على الحياة والقيومية والسمع والبصر والعلم والكرم والحكمة واللطف والرأفة والرحمة وغير ذلك من أوصاف الكمال.



الدعاء باسم الله الحيي دعاء مسألة :

*************************


عند الطبراني وصححه الألباني من حديث ابن مسعود رضى الله عنه مرفوعا في شأن الذي يمر على الصراط، وقد أعطي نوره على إبهام قدميه، يحبو على وجهه ويديه ورجليه، تخر رجل وتعلق رجل ويصيب جوانبه النار، فلا يزال كذلك حتى يخلص؛ يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنه: ( قال: رب أعطني ذلك المنزل، فيقول الله تبارك وتعالى له: فلعلك إن أعطيتكه تسأل غيره؟ فيقول: لا وعزتك يا رب، وأي منزل أحسن منه، فيعطاه فينزله ثم يسكت، فيقول لله جل ذكره: ما لك لا تسأل؟ فيقول: رب قد سألتك حتى استحييتك، وأقسمت حتى استحييتك، فيقول الله جل: ذكره: ألم ترض أن أعطيك مثل الدنيا منذ خلقتها إلى يوم أفنيتها وعشرة أضعافه؟ فيقول: أتهزأ بي وأنت رب العزة فيضحك الرب تبارك وتعالى من قوله ) .



الدعاء باسم الله الحيي دعاء عبادة :

**************************


دعاء العبادة باسم الله الحيي ومقتضى توحيد الله فيه أن تكون حلية العبد وزينته ولباسه بعد تقوى الله الحياء، روى الترمذي وصححه الشيخ الألباني من حديث أنس بن مالك رضى الله عنه أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( مَا كَانَ الفُحْشُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ، وَمَا كَانَ الحَيَاءُ فِي شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ) .


من حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ، قَال: قُلنَا يَا رَسُول اللهِ إِنَّا لنَسْتَحْيِي وَالحَمْدُ للهِ، قَال: ليْسَ ذَاكَ وَلكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى، وَتَحْفَظَ البَطْنَ وَمَا حَوَى، وَتَتَذَكَّرَ المَوْتَ وَالبِلى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَل ذَلكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الحَيَاءِ ) .


أما من جهة التسمية بعبد الحيي فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي به في مجال ما أجرينا عليه البحث، وكذلك جميع محركات البحث علي الإنترنت، وهنيئا لمن سمى نفسه أو ولده بذلك لأنه لم يسبقه أحد من السلف أو الخلف فيما نعلم والله أعلم .


*********************************************************************************

نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب و السنة .

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى .

الثلاثاء، 29 يونيو 2010

42 - اسم الله ( الجميل )


بسم الله الرحمن الرحيم

من حديث أبي سعيد رضى الله عنه مرفوعاعن النبى صلى الله عليه وسلم : (‌ إن الله تعالى جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده ويبغض البؤس والتباؤس ).


الدليل على ثبوت الاسم وإحصائه :

************************

ورد الاسم عند مسلم من حديث ابن مسعود رضى الله عنه أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ( لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ ) ,وورد في رواية أحمد في مسند ابن مسعود رضى الله عنه : ( فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلاً وَرَأْسِي دَهِيناً وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيداً، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ عِلاَقَةَ سَوْطِهِ أَفَمِنَ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: لاَ، ذَاكَ الْجَمَالُ، إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ وَازْدَرَى النَّاسَ ) .


شرح الاسم وتفسير معناه :

********************

الجميل في اللغة من الجمال هو الحسن في الخلقة والخلق، وتجمل تزين، وجمله تجميلا زينه، وأجمل الصنيعة عند فلان يعني أحسن إليه، والمجاملة هي المعاملة بالجميل ,والصبر الجميل هو الذي لا شكوى معه ولا جزع فيه قال تعالى: } فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً { [المعارج:5]، وقوله: } فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ { [الحجر: 85]، أي أعرض عنهم إعراضا لا جزع فيه , والله عز وجل هو الجميل، جماله سبحانه على أربع مراتب جمال الذات وجمال الصفات وجمال الأفعال وجمال الأسماء فأسماؤه كلها حسنى، وصفاته كلها صفات كمال، وأفعاله كلها حكمة ومصلحة وعدل ورحمة، وأما جمال الذات وكيفية ما هو عليه فأمر لا يدركه سواه ولا يعلمه إلا الله، وليس عند المخلوقين منه إلا تعريفات تعرف بها إلى من أكرمه من عباده .

وعند مسلم من حديث أَبِي مُوسَى رضى الله عنه أن صلى الله عليه وسلم قال: ( حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لأَحْرَقَ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ) , قال عبد الله بن عباس رضى الله عنه : ( حجب الذات بالصفات وحجب الصفات بالأفعال، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال، وستر بنعوت العظمة والجلال ) ، ومن هذا المعنى يفهم بعض معاني جمال ذاته، فإن العبد يترقى من معرفة الأفعال إلى معرفة الصفات ومن معرفة الصفات إلى معرفة الذات، فإذا شاهد شيئا من جمال الأفعال استدل به على جمال الصفات، ثم استدل بجمال الصفات على جمال الذات، ومن ههنا يتبين أنه سبحانه له الحمد كله، وأن أحدا من خلقه لا يحصي ثناء عليه، بل هو كما أثنى على نفسه .


دلالة الاسم على أوصاف الله :

*********************

اسم الجميل يدل على ذات الله وعلى صفة الجمال , والجمال أحد أركان الجلال، والجلال منتهى الحسن والعظمة في الذات والصفات والأفعال، وهو يقوم على ركنين اثنين: الكمال والجمال، فالكمال بلوغ الوصف أعلاه، والجمال بلوغ الحسن منتهاه، ]، وقال سبحانه: } تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلالِ والإكرام { [الرحمن:78]، وعند ابن ماجة وصححه الألباني من حديث النعمان بن بشر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلاَلِ الله التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ العَرْشِ، لَهُنَّ دَوِي كَدَوِي النَّحْلِ تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَوْ لاَ يَزَالَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُ بِهِ ).

واسم الله الجميل يدل باللزوم على الحياة والقيومية والحسن والعظمة والعلو والعزة وغير ذلك من صفات الكمال والجلال، واسم الله الجميل دل على صفة من صفات الذات .


الدعاء باسم الله الجميل دعاء مسألة :

*************************

لم أجد دليلا في دعاء المسألة بالاسم، وورد الدعاء بالمعنى فيما رواه النسائي من حديث عمار بن ياسر رضى الله عنه في دعاء صلى الله عليه وسلم الذي فيه: ( وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ في غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلاَ فِتْنَةٍ مُضِلةٍ، اللهمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ ) .

ويمكن أن يستشهد بما تجمل يعقوب عليه السلام من الصبر الجميل في دعائه بمقتضى الاسم حيث قال: } فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَالله المُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ { [يوسف:18]، وأيضا ما ورد في قوله تعالى: } قَالَ بَل سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى الله أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ العَلِيمُ الحَكِيمُ { [يوسف:83].


الدعاء باسم الله الجميل دعاء عبادة :

****************************

دعاء العبادة بالاسم يتجلى فيه المسلم بالجمال الظاهر والباطن , أما جمال الجوهر فله الأسبقية على المظهر وهو حسن الاعتقاد في الله، وأن الجمال الحقيقي أن يفهم العبد حقيقة الحياة، فيستعين بالله في كمال العبودية ويرضى بما قسمه في باب الربوبية، وأن الجلال المطلق إنما هو لله وحده في أسمائه وصفاته وأفعاله وقد تقدم عند الحديث عن جلال الأسماء الحسنى أن الجلال يقوم على ركنين: الكمال والجمال؛ فالكمال هو بلوغ الوصف أعلاه والجمال بلوغ الحسن منتهاه، فإذا نظر العبد إلى حكمة الله وانفراده عمن سواه سيجد أن الله عز وجل إن أعطى أحدا من عباده كمالا ابتلاه في الجمال، وإن أعطاه جمالا ابتلاه في الكمال، وإن أعطاه كمالا وجمالا ابتلاه في دوام الحال، فهو سبحانه الملك الجميل، له في ملكه الكمال والجمال، ملكه دائم وهو في ملكه عليم قدير يفعل ما يشاء، له مطلق الخلق والتدبير وهذا هو الكمال .
أما الجمال في الملك فقيامه على الحق، لا يظلم فيه أحدا ولا يشرك في حكمه أحدا ولا يشفع عنده أحد إلا بإذنه، يقبل التوبة عن عباده وهو قادر على إهلاكهم، لكن ملوك الدنيا إن استتب لهم كمال الملك وأحكموا قبضتهم على الخلق، ضيعوا الجمال في الملك بظلم الخلق وضياع الحق، وإن جمعوا بين الكمال والجمال سلبهم دوام الحال ودوام الحال من المحال، فالوحيد الذي اتصف بالكمال والجمال هو رب العزة والجلال، وكل اسم من أسمائه له فيه مطلق الكمال والجمال كما قال سبحانه: } تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجَلال والإكرام { [الرحمن:78] .
ومن ثم فإن جمال المسلم في عبوديته لربه، ومهما تقلبت به الأسباب فإنه في خير دائم كما ورد عند مسلم من حديث رضى الله عنه أن رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: ( عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلهُ خَيْرٌ وَليْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ للمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لهُ ) .


. أما بخصوص التسمية بعبد الجميل فلم أجد بالبحث الحاسوبي أحدا سمي به في مجال ما أجرينا عليه البحث، وكذلك جميع محركات البحث علي الإنترنت، وهذه دعوة لمن أراد أن يسمي نفسه أو ولده بذلك الاسم لأنه لم يسبقه أحد من السلف أو الخلف فيما نعلم والله أعلم .


**********************************************************************************

نقلا عن كتاب : أسماء الله الحسنى الثابتة فى الكتاب والسنة

للدكتور : محمود عبد الرازق الرضوانى